أعظم خطبة في تاريخ البشرية .. خطبة الوداع
( لبيك اللهم لبيك لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك )
هكذا قال حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - ملبياً موحداً و حامداً الله على نعماءه و تعظيم ملكه , بعد اثنتين وعشرين سنة من الجهاد والصبر و مكابدة شتى صنوف الأذى و العداء من قومه ومن حرضوه على قتاله .. دخل مع قرابة عشرة آلاف راكب و راجل على قدميه .. عزيزاً قد أعزه الله رغم أنف من كره .. ورغم أنف من أبى ..
يطوف شعاب مكة وقد فعلت قريش ما فعلت حين أخرجته من عزه و أرضه حتى قال لها باكياً مودعاً : ما لقريش تفعل بي هذا والله إنك لأحب البلاد الى نفسي ؟؟
ولكن الله لم يخلف وعده .. صدق وعده .. ونصر عبده .. وهزم الأحزاب وحده ..
فلم يؤمن كافر على نفسه الا من دخل داره , وأغلق عليه بابه .. يا لصروف الزمان .. ويالقرابة الأمس من هذا اليوم .. عكرمة .. صفوان .. و هند .. أليس آباكم هم من ضربوه وبصقو على وجهه الشريف و ألقو عليه سلا الجزور فاستجمعوا بأفعالهم كل لعنة وبشاعة على وجه الأرض فكانو من النادمين .. نادي يا منادي بأبي جهل وانظر إن كان يرد قد قطعت أوصاله ورمي في القليب لا عزاء له ولا يؤنس ظلمته قريب.. أين الوليد بن المغيرة واين عظمته .. أليس في سقر مأوى له وما افترى وما كذب ..
اشهد يا بلال ها قد قطعت رؤوس الملأ وما عاد لأمية بن خلف مكانٌ ليرمي على صدرك الحجر .. أبشري يا سمية ويا ياسر فقد رجع عمار برفقة رسول الله الى ذات المطارح وذات التلال التي لا تزال تشهد بأنهما أول الشهداء وأول من دخلو الجنة من الأتباع ..
و يتجلى أعظم المشاهد إنسانيةً على وجه البسيطة .. أمامه عشرة آلاف من المسلمين و قريش تترقب وقد بلغت القلوب الحناجر رهبة من محمد .. نعم هو من قاتلته وقتلت أحباءه و أخذت داره وماله .. ما هو فاعلٌ بها ؟؟؟
نعم .. ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟؟
الكل يصرخ ويشهد على خير البرية الصادق المصدوق الأمين : أخٌ كريم .. وابن أخٍ كريم ..
اذهبوا فأنتم الطلقاء .. حسبك .. حسبك يا محمد - صلى الله عليك وسلم - أما زلت تذكر خديجة وما لاقت في الشعب !! أما زلت تذكر كسرة الخبز تحت إبط بلال !! أما زلت تذكر حجارة الطائف و قد أدمت قدماك الشريفتان !! نعم يذكر .. وكيف ينسى الحبيبة الوفية .. وكيف ينسى الجوع والظمأ وقت اشتداد حر الشمس في كبد السماء .. وكيف ينسى سفهاء القوم يريدون هلاكه ويريد نجاتهم .. ولكنه محمد حبيب الله وصفيه والمؤيد بخبر السماء .. نور على نور .. بعث رحمة وهداية لكل العالمين ..
هاهو يقف بعزة المنصور من عند لله - ولله العزة والكبرياء - يخطب فيهم أعظم خطبة في تاريخ البشرية .. خطبة الوداع .. يوصي بها و يقرر عدة أمور لمنهاج المؤمن أن لا يضل ولا يبغي .. فيقول :
(أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية. أما بعد أيها الناس فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان. أما بعد أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ا شهد)
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف. قال يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قل يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هلا تدرون أي شهر هذا ؟ " فيقول لهم فيقولون الشهر الحرام فيقول قل لهم " إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا " ; ثم يقول قل " يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي بلد هذا ؟ " قال فيصرخ به قال فيقولون البلد الحرام، قال فيقول قل لهم " إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا ". قال ثم يقول قل " يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون أي يوم هذا ؟ قال فيقوله لهم. فيقولون يوم الحج الأكبر قال فيقول قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا.)
صلى الله على محمد .. صلى الله عليه وسلم ..